ياسين اليعلاوي
منذ اندلاع احتجاجات الأساتذة المتدربين قبل شهرين تقريبا، لم يملّ وزير التربية الوطنية “رشيد بلمختار” –الذي اختفى من المشهد مؤخرا- و رئيس الحكومة “عبد الإله بنكيران” –الذي صار يحارب لوحده في الميدان- من ترديد سؤال استنكاري، لا يبدو أنهما يبحثان -من خلاله- عن جواب، بقدر ما يرميان –من وراءه- إلى بخس احتجاجات الأساتذة، وإفراغها من محتواها، بدعوى أنها بُنيت على باطل !
قرارات الثلث الأخير من الليل ومرسومان في حالة تسلل !
عندما يسمع المواطن البسيط عبارات من قبيل “علاش دخلو يقراو وهوما عارفين المرسومين؟” مع إضافة بعض المؤثرات الخارجية كرفع الصوت و”تخراج العينين” والضرب على الطاولة، فإنه -لا محالة- سيميل إلى تصديق هذا الكلام !
ورغم أن هذا الادعاء ليس كاذبا، إلا أنه يحمل تمويهات ومغالطات عديدة لا بدّ من توضيحها.
فالمذكرة الوزارية الخاصة بتنظيم مباريات ولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين والمختومة بتاريخ 29 يوليوز لم تصدر للرأي العام -عن طريق موقع الوزارة- إلا في 31 يوليوز، أي تزامنا مع اليوم الأول لعطلة أُسرة التعليم، وهو تاريخ غير بريء بتاتا ! فالجامعات المغربية والمدارس العليا للأساتذة تكون –في هذه الفترة- مسكونة بالعفاريت، بينما من يهمهم الأمر يكونون –في الغالب- خارج التغطية (إما مستلقين على رمال الشاطئ الذهبية، أو يبيعون البيض لكسب لقمة العيش !).
كما أن المذكرة المنظمة لمباريات ولوج المراكز الجهوية برسم موسم 2015-2016 (كما يظهر في الصورة) لم تشر إلى المرسومين الوزاريين 2-15-588 و 2-15-589 كمرجع لها.
إضافة إلى أن المرسومين لم ينشرا في الجريدة الرسمية إلا يوم 8 أكتوبر، أي بعد 3 أيام من ظهور النتائج النهائية للناجحين (يوم 5 أكتوبر). مما يعني عدم قانونية تطبيق المرسومين على فوج هذه السنة (على الأقل) !
الباطل لا يسقط بالتقادم.
بعيدا عن مسألة قانونية المرسومين من عدمهما، يمكن مناقشة السؤال من زاوية أخرى.
فالتمعن والتبصر في عبارة “علاش دخلتو تقراو ونتوما عارفين المرسومين؟”، يقود إلى نتيجة واحدة وهي “سطحيةُ السؤال”، وعدم مبالاته واهتمامه بمضمون المرسومين موضوع التساؤل.
فهل تقادُم الباطل أو الخطأ (إذا جزمنا بخطأ المرسومين) يدفعنا للاستمرار في الصمت، وعدم التفاعل معه؟
هل بإمكاننا أن نسأل شخصا يصارع الغرق “علاش دخلتي تعوم ونتا عارف البحر كيغرّق؟” عوض أن نمدّ له يد العون.
أو نطرح سؤالا مشابها على رئيس الحكومة “علاش دخلتي للحكومة ونتا عارف فيها العفاريت والتماسيح؟” ولماذا تنشد التغيير وأنت على اطلاع مسبق بفساد المنظومة السياسية في المغرب !
إذا كان التزام الصمت خطأً، فإن التمادي في الصمت وزرٌ أعظم من الخطأ نفسه. أما مطالبةُ رأسِ الهرمِ الحكومي الأساتذةَ بالسكوت بحجة أن “الصمت علامة الرضى” فتلك أعظم الزلّات !
ووعيا منّا بعدم جدوى التنظير دون طرح بدائل واقعية، نقترح على رئيس الحكومة جملة من الأسئلة التي يجب أن تناقش أمام نواب الأمة، وله أن يقتبس منها ما شاء، فنحن نتنازل له عن ملكيتها الفكرية (تنازلا تامّا) :
– ماعلاقة المرسومين بالجودة؟
– ما علاقة تقزيم المنحة -إلى مية وعشرين ألف فرنك- مع مدرسة الجودة والارتقاء والإنصاف التي يطبّل لها المجلس الأعلى للتربية والتكوين؟
– لماذا لم يتم انتقاء سبعة آلاف أستاذ متدرب -فقط- بدل عشرة آلاف؟ ولفائدة من يتم تكوين ثلاثة آلاف آخرين على “ظهر الدولة” ؟
– هل الحصول على شهادة الإجازة أو الماستر ثم شهادة برنامج 10.000 إطار ثم الولوج إلى مركز لتكوين الأساتذة لمدة سنة واحدة بعد انتقاء أولي لنخبة الطلبة، ثم اجتياز امتحان كتابي وشفوي، مع خوض تدريبات ميدانية لا يكفي للحكم على جودة الأساتذة؟
– ما معنى كلمة “ترسيب” الأساتذة التي وردت في كلمة رشيد بلمختار في إحدى دفوعاته أمام مجلس المستشارين؟
-لماذا يتم استهداف قطاعي الصحة والتعليم دون غيرهما؟ هل لأنهما قطاعان شعبيان لايجدان من يدافع عنهما؟ أم لأنهما غير منتجان؟ أم لأن تعليمات “كريستين لاغارد” كانت واضحة في هذا الشأن؟
ثم لماذا لا يتم تحريك مسطرة المتابعة في حق المسؤولين عن المخطط الاستعجالي، رغم التهم الخطيرة التي وجهت لهم من طرف “أفتاتي” و “الداودي”؟ وهي تهم اختلاسات بالملايير، ونفخ للفواتير، من أجل رزمة من الأوراق التي تم إلقاؤها في سلّة المهملات !
نكتفي بهذه الأسئلة كي نترك لرئيس الحكومة باب الاجتهاد والبحث.
ولنفترض –جدلا- أن “أشخاصا ما” قاموا بالاحتجاج ضد المرسومين لحظة صدورهما.
هل كانت الحكومة ستستجيب لمطلب إسقاطهما؟
إذا كان الجواب لا، ففي هذه الحالة لا يبقى هناك معنى لسؤال “علاش ماهضروش من قبل” لأن الأمر سيكون تحصيل حاصل.
أما إذا كان الجواب نعم، وكان بالإمكان إسقاطهما قبل بدء التكوين، فما الذي يمنع من إسقاطهما بعده؟
هل يكسب الباطل شرعيته بالتقادم؟
سؤال يستحقّ التأمّل…
صيغة الاحتجاج القبلي
لست أشك أن رئيس الحكومة يعلم -علم اليقين- أن عدد الطلبة الجامعيين المحسوبين على تياراته الحزبية كفيل بجعل فكرة مقاطعة المباريات “فاشلة”،
لأن عددهم كافٍ لملء عدد المقاعد الشاغرة!
هذا دون الحديث عن الانتهازيين والوصوليين الذين لم يكونوا ليتورّعوا عن الصعود على أكتاف ذوي الكفاءة والاستحقاق، خاصة ممن لا تتاح لهم فرصة اجتياز المباريات بسبب -حاجز- الانتقاء الأوّلي، مما يجعلنا نستبعد خطوة مقاطعة المباراة، ونحكم عليها بالفشل، ولنا عبرة في احتجاجات الأساتذة المحرومين من الترقية بالشواهد.
أما الحديث عن الحوار الاجتماعي -في الدول غير الديموقراطية- فهو أشبه بالحديث عن “الإلدورادو” أو المدينة الفاضلة.
لكن لنفترض -من باب حسن النية- أن باب الحوار كان سيكون مفتوحا -على مصراعيه- من طرف “بلمختار” و”بنكيران” !
كما يعلم الجميع، يقتضي الحوار وجود طرفين “مُحاوِر” و “مُحاوَر”، فإذا كان وجود الطرف المحاوَر وهو الوزارة أو الحكومة متاحا (بين قوسين)، فإن الطرف الثاني وهو الطرف المتضرر من المرسومين لم يكن متاحا أو جليّا !
فهل كانت الحكومة -أو الوزارة- ستفتح باب الحوار أمام أشخاص لم يقع عليهم ضرر بعد؟ هل كانوا سيحاورون الطلبة الجامعيين؟ أم خريجي 10000 إطار؟ أم ممثلي الشعب الذين يتقاضون “جوج فرنك”؟ ! أم مديري المراكز الجهوية؟
وبالمناسبة فقد أصدر 16 مكتبا محليا للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بيانا مشتركا، مؤرخا في 29 يوليوز الماضي، يدعو وزارة التربية الوطنية إلى التراجع الفوري عن المرسومين الصادرين، والرجوع إلى الممثلين الحقيقيين للمراكز والعاملين بها في اتخاذ أي قرارات أو تعديلات تهم المراكز.
لكن –بطبيعة الحال- لم يتم التراجع، و لم يتم فتح أي حوار، أو نقاش، أو حلقية، أو طاولة مستديرة أو مستطيلة معهم، بل -ربما- جرت ترضية مديري المراكز الجهوية بشكل من الأشكال، لنجدهم -فيما بعد- أول من يضع “العصا فالرويضة” من أجل كبح جماح الأساتذة المتدربين، سواء بتهديدهم بالطرد تارة، أو بالمجلس التأديبي تارة أخرى.
ومنهم من بلغت به الجرأة لاستدعاء الأمن ثم مخاطبة بعض الأستاذات المتدربات بسخرية ووقاحة “خرجوا تاكلوا لعصا” !
المشاركة الوازنة لطلبة المدارس العليا للأساتذة وطلبة الجامعات رد أخير على بنكيران.
إذا لم يقتنع رئيس الحكومة بالدفوعات السابقة، فبإمكانه إلقاء نظرة على المسيرات الكبيرة التي تمّ ويتمّ تنظيمها -بشكل مستمرّ- على الصعيدين الوطني والمحلّي.
وبما أنه يزور الفايسبوك بعد صلاة الفجر كما صرّح تحت قبّة البرلمان، فأكيد أنه سيرى -بأم عينيه- المشاركة الوازنة لطلبة الجامعات، وطلبة المدارس العليا للأساتذة، الذين استبقوا سؤال الحكومة المقبلة : “علاش مااحتجوش من قبل؟”
فخرجوا ليلبّوا النداء من الآن.
وبإمكانه اعتبار الأساتذة المتدربين الذين خرجوا بالآلاف-مجرّد- مساندين لهم في نضالاتهم المشروعة.
باعتبار أن المرسومين -موضوع النزاع- لا يعنيان فوج 2015-2016 في شيء.
ولكي لا يضيع سعادة الرئيس بين صفحات الأنترنت أقترح عليه زيارة هاشتاغ #لا_للمرسومين و #معا_لإنقاذ_التعليم_العمومي، فسيجد كل ما يبحث عنه هناك.
ولمحكمة الحكومة الموقرة واسع النظر.
